
المؤرخ الوطني الدكتور ماجد فرج

تابعت كما تابع العديد من المصريين رحلة الملك السابق فؤاد الثاني ابن الملك فاروق الى القاهرة مؤخراً وسعدت كما سعدوا بما رأيناه من الترحاب وكرم الضيافة من رأس الدولة وكل من استقبله شبه رسمياً أو شعبياً، الأمر الذي يدل على نضج فكرنا وثقتنا بنفسنا وإيماننا بأن التاريخ حلقات لا يجوز أن نتجاهل حلقة منه فتصالحنا معه.
رجعت بذاكرتي لوقت كان الحديث عن الأسرة العلوية التي حكمت مصر لقرن ونصف من الزمان ونهضت بها من أعماق ظلام الاحتلال العثماني ورفعتها لمصاف الدول المتحضرة الغنية القوية، كان الحديث عنها لا يتعدى الذم والسباب والإتهامات الجزافية وغير مسموح على الإطلاق بذكر أو حتى الإشارة إلى حسنة واحدة من حسنات أي منهم.
كان ابسط ما يوجه للأسرة من تهم هي أنهم أجانب محتلين من أصل الباني مع انه ثابت تاريخياً أن محمد عليّ باشا تركي من أصول بعيدة كردية مولود في قولة المقدونية اليونانية المحتلة من تركيا العثمانية وجاء مصر مع جنود الفيلق الألباني لإقرار الامن فيها بعد خروج الحملة الفرنسية ودافع عنها ضد حملة فريزر البريطاني ووقع في غرامها وقرر البقاء والنهوض بها لمصاف الدول المتحضرة برغم حالها حالك الظلام بعد اربعة قرون من الحكم العثماني، فحكمها وسلالته من بعده المولودين على أرضها لسبع أجيال فلا يجوز حتى الإشارة لأصولهم القديمة شأن آلاف العائلات المصرية ذات الأصول الأجنبية.

ظل الحال العدواني هذا على ذلك وتم محو هذه الحقبة من الذاكرة الجمعية لدى المصريين حتى تجرأ مؤرخ شاب كرّس حياته لدراسة تاريخ هذه الأسرة ورد الظلم عنها وإعادة توثيق ما تم تجهيله من معلومات عن عصرهم في بداية تسعينات القرن الماضي ونجح في نشر عشرات المجلدات والكتب الوثائقية الفاخرة بما يليق بعصر فخيم لدولة عظيمة فكان له فضل وفخر الريادة في فرع من التاريخ حيث جبن الآخرون من الإقتراب منه بالحق، بل وهاجموه بعنف متهمينه بالرجعية والتبعية الملكية!
تابعت كتب ومقالات ولقاءات هذا الرجل وعجبت وتعجبت بإصراره ومثابرته على إيمانه بقضيته الثقافية التاريخية لثلاثة عقود فلم أتعجب عندما عرفت انه وراء تنظيم رحلة الملك السابق وأسرته التثقيفية من لحظة الوصول الى لحظة المغادرة بما تضمنته من زيارات لأهم متاحف مصر ومن لقاءات شبه رسمية تم تكريمه فيها، زيارات تراوحت بين لقاء قيادة كبيرة من قيادات القوات المسلحة وعموم الشعب في شوارع العاصمة.
كانت هذه الزيارة المحورية بمثابة رد اعتبار لهذا الرجل الذي غادر وطنه رضيعاً مطروداً بلا ذنب جناه ولم يقدم هو في المقابل إلا كل ولاء وحب ووطنية، كما كانت تجسيداً لأصالة رئيس الدولة الواثق في نفسه ودليلاً على حسن اختياره لرجاله المحترمين.
تحية للمؤرخ الوطني الدكتور ماجد فرج الذي أعاد منفرداً للاسرة العلوية اعتبارها وذكّرنا بها بعد أن كادت تسقط في غياهب النسيان.