
الفنان الكبير والمطرب العظيم والصوت الذي لا يعوض ونحمد الله علي أننا عشنا في عصره (عبد الحليم حافظ) واظن ان جيلي كله و أجيال عديدة لم يستصيغ ابدا أحد بعد رحيل حليم في ريعان الشباب و بعد رحلة مرض ومعاناة استمرت كل أعوام حياته الثرية والجميلة الغنية بالحب والعطف والحنية المليئة بالمشاعر والأحاسيس بالشوق واللهفة وحتي اليوم حينما استمع إلي هذا الصوت الشجي الحزين أتذكر لحظات خالدة وحبيبات وخليلات وعاشقات وجميلات وحتي العاديات كنا كل يوم مع وجوه جديدة وعلاقات قصيرة ولحظات نابضة ولم يكن هناك أهداف ولا مشروعات أو ارتباطات ولكنها كانت مجرد لحظات وكان هذا هو الإتفاق الغير معلن.
فقد كان صوت حليم واغانيه تقدم لنا حالة من حالات الوهج والاشتعال العاطفي
كانت الفلوس قليلة ولكن لحظات السعادة لم تكن تقاس بالمال ابدا
بل كانت المقاييس مختلفة والموازين خالية من الحسابات المعقدة
كانت مصر جميلة فعلا رغم كل الحروب والهزائم والخسائر وحتي بعد النصر والعبور كان الناس متشابهين و قريبين وبسطاء والدنيا لم تكن بهذا التعقيد والقسوة
كان حليم شابا فقيرا معدما مشردا ولكن كان لديه امل وحلم وإرادة وبقية القصة المعروفة ولكنه ذكيا موهوبا ولم يكن مثقفا بدرجة كبيرة ولكن كان نبيها وعارفا بأحوال المجتمع الذي يعيش فيه و يستخدم أدواته
وحينما قابل عبد الوهاب العملاق موسيقار الأجيال طبعا رفض ان يأخذ حسنة أو مساعدة ولكن أصبح شريكه في اكبر شركات الانتاج الفني صوت الفن بعد ذلك بسنوات و رغم أن الساحة كان تموج باساطين الطرب والغناء إلا أن حليم سلك طريقا آخر وقدم فنا جديدا جميلا مع الموجي والطويل ومنير مراد وغيرهم كما قدم كلام مختلف مع مرسي جميل عزيز ومأمون الشناوي ومحمد حمزة وصلاح جاهين ثم الأبنودي وغيرهم
كان حليم مختلفا لم يقلد أحد ابدا و حتي لما غني ل عبد الوهاب خرج من العباءة الوهابية ليكون هو نفسه
كان عبد الحليم يصرف علي فنه و يعرف قيمته و قدم الفرقة الماسية بقيادة احمد فؤاد حسن و احمد الحفناوي و احمد عفت و أضاف أجهزة و الات جديدة مع عمر خورشيد و مجدي الحسيني و هاني مهنا لم تكن مستخدمة من قبل و استعان بتوزيع اندريا رايدر ثم علي إسماعيل
كان حليم يبحث عن الكلمة و اللحن و قدم روائع المبدع كامل الشناوي ثم اكتشف حداثة نزار قباني و هذا بالتوازن مع مرحلة بليغ حمدى و محمد حمزة ثم الأبنودي.
كان حليم يؤدي البروفات لأشهر و أيام طويلة حتي يخرج العمل جاهزا و مطبوخا و في كل الأوقات يستخدم الإعلام المحدود لصالح الأغنية و لا يمنع من نشر اخبار عن صحته و وعكاته الصحية و حياته الشخصية و حبيباته و هي اخبار مثيرة و تشد أذهان القراء و المعجبين و خاصة الشباب و الفتيات و كان حليم يستخدم السينما لصالح فنه و اغنياته و رغم اشتراكه الضعيف في الأفلام الذي لا يزيد عن عشرة افلام إلا أنها كانت محطات هامة بل بالغة الأهمية و اجمع كل السينمائيين ان حليم كان ممثل جامد جدا و مؤثر يختار قصصه بعناية بالغة و من خلال قصص كبار الكتاب و أبرز المخرجين و الوجوه السينمائية الجديدة الجميلة و يقف ندا بند أمام فاتن حمامة سيدة الشاشة الفضية و شادية دلوعة الشاشة و لبني عبد العزيز و زبيدة ثروت و نادية لطفي و حتي ميرفت امين اوديت السينما المصرية و كبار المخرجين و الفنانين و الفنيين ان حليم قصة مصرية لا تتكرر
و لكن من كان اصدقاء حليم و خلانه كبار الصحفيين و الكتاب و بعض السياسين و كانت سهرات حليم مع كامل الشناوي و احسان عبد القدوس و علي امين و مصطفي امين و أنيس منصور و حتي محمود عوض و منير عامر و مفيد فوزي حدث مهم كل ليلة في القاهرة و بيوتات و فنادق و صالونات تضم الجميلات و المغرمات و العاشقات
و كان حبه الوحيد سرا لا يعرفه أحد و ان تصدرت سعاد حسنى الصورة لأسباب إعلامية و كانت كل بطلات حليم إشاعات كل المواسم حتي ان الفنانة زبيدة ثروت طلبت ان تدفن مع عبد الحليم في أيامها الأخيرة
و كانت القاعدة ان عبد الحليم حافظ يحارب النجوم و الفنانين و كل المطربين رغم ضعفه و مرضه و لكن بعد رحيل حليم في عام ٧٨ و حتي اليوم لم يعوضه أحدا علي الإطلاق و ربما يظهر بعض المطربين في الحفلات أمثال هاني شاكر و محمد ثروت و علي الحجار و مدحت صالح و غيرهم ليقدموا بعضا من أغانيهم التي لا تساوي حرف واحد من اغاني حليم الخالدة ثم يستكملوا الحفلات بأغاني حليم
اما الأستاذ عمرو و تامر و غيرهم فلا احد سوف يتذكرهم أو يذكر أغانيهم الضعيفة الركيكة ذات النغمة و الطبلة و التصفيق من بعض التافهين أمثالهم
و لقد قلت ان المجتمع الذي يسمح بالتكتك و الميكروباص و العشوائيات سوف يسمح بظهور حمو و بيكا و شاكوش و غيرهم
ان القضية يا سادة ليست في طرب ردئ أو مطربين مسجلين أو مطربات جهلة اغبياء زي الست شيرين الذي كلما تحدثت خرج منها بتاع الحمار و اليعوذ بالله أو الست أنغام التي تتزوج كلما أتيحت لها الفرصة و لا حتي امال ماهر التي استقرت علي الشيخ المخبول
أنها قضية مجتمع في حاجة إلي علاج عاجل من هذه التشوهات في غياب التعليم الحقيقي و الثقافة و الاداب و الصحافة و الإعلام رغم كل الوسائل المتاحة و بقوة و زيادة عن اللازم
ربما يأتي يوما آخر و نري ام كلثوم و عبد الوهاب و حليم الذي افتقده بشدة
لقد عشنا في عصر عبد الحليم و لا حول ولا قوة إلا بالله.