(كوكب الشرق) بقلم الإعلامي الكبير أسامة كامل

طبعا الست ام كلثوم حينما تطرب و تؤدي وصلة بمزاج خاص يردد بعض السميعة (ياسلام يا ست) نعم إنها كوكب الشرق.
مقاييس دقيقة طوال نصف قرن و تقاليد عريقة
و حفلة ام كلثوم مقدسة الخميس الاول من كل شهر
و الحجز بالسنوات او الشهور و لا مجال للحضور المباغت او التحايل علي هذا النظام الدقيق
و الموعد التاسعة مساءًا و لا تهاون و لا اعذار
و حينما يدق مدير المسرح بنفسه ٣ دقات يتاهب الجميع للحدث الهام في سماء القاهرة
بما فيهم الرئيس جمال عبد الناصر و المشير عبد الحكيم عامر و السيد زكريا محي الدين و السيد انور السادات و اعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي و بعض الوزراء و ضيوف مصر من البلدان العربية والاسلامية و الصديقة و هو امتياز خاص تحرص عليه الدولة المصرية
و في خارج القاعة يبدأ ضبط الراديو في المقاهي و النوادي و يجلس الناس في المنازل و البيوت داخل القاهرة و الاسكندرية و بعض عواصم المحافظات اما في الارياف و الصعيد و الاقاليم
هذا امتياز خاص لكبار القوم و العمد و المشايخ
و تجهز قاعات خاصة يوضع فيها الراديو
و يتم ضبطه و تجهيزه من قبل بعض المتخصصين و كذلك الايريال فوق السطوح
و ليس سرًا ان تجهيزات المنازل تشمل بعض المشويات و الاغذية الخفيفة و المشروبات.
و في حلقات بعض الميسورين كانت هناك مشروبات روحية واردة من بيروت مع بعض التفاح الاحمر الامريكاني و المكسرات و الياميش و سمك البكاليا


و في حضرة ام كلثوم تتقدم الفرقة الموسيقية بالملابس الكاملة السوداء في الشتاء و البيضاء في الصيف و كلا في مكانه المحدد و تظل الآلات تعزف للتجربة و التوليف حتي تدخل الست كوكب الشرق السيدة ام كلثوم
و تحية مميزة و بعض العبارات التقليدية و عظمة علي عظمة يا ست
يا كريمة يا ست
و ايماءة بسيطة للرئيس عبد الناصر الذي يقابلها باابتسامة عريضة و هو يرتدي النظارة الطبية النادرة الظهور
كان جمال حريصا دائما علي شكله و اناقته و البدل الشيك التي يرتديها و تصنع في مصر عند سويلم او جورج و القمصان البيضاء اللينوه من المحلة الكبري خصيصا و الاحذية من بيع المصنوعات او باتا
و كانت البدلة الغامقة و منديل علي شكل الاهرام علامة مميزة للمهيب الشامخ و المختلف عن عامر المهرول و ذكريا المهموم دائما و انور السادات الشيك الوسيم النظيف بزيادة
و وسط القاعة كل الحاضرين يرتدون افخم و افخر البدل و الفساتين
ملابس كاملة و اناقة مكتملة و رائحة العطور الباريسية تختلط مع السجاير الانجليزية و السيجار الكوبي
و حتي بعض كبار الفلاحين الاقطاعيين بمسمي هذه الفترة يرتدون جلابيب صوف انجليزي معتبر و بعضهم لا يزال يرتدي الطربوش الاحمر الزاهي رغم ان الحكومة قد منعته كما حرمت اشياء كثيرة من العهد الملكي البائد هكذا هي الحكومات تفلح فقط في المنع و المصادرة و التأمين و التأميم للاستيلاء حتي علي مزاج الناس
اما سيدات مصر حدث و لا حرج اناقة و شياكة و طول بعرض علي رأي ام اسامه رحمها الله
و شغل عالي جدا عند أشهر كوافيرات مصر ريمون و سامي حماد و غريب و غيرهم
و بعضهم جهز الفساتين عند ام حبيبة ممر بهلر او مدام عضمة في سليمان باشا
و مهرجان متكامل
هذه المناسبة الشعبية لمدة نصف قرن
و لقاء نادر بين الدولة و الحكومة و الشعب و الرأسمالية و الاقطاعيين
بين الاشتراكية و الديمقراطية
صحيح فشلت الاشتراكية في مصر لان الشعب المصري يحب الحياة و لا يطيق ان يضحي من اجل اجيال قادمة او لا تأتي الناس في مصر يحبون الامتلاك و الاكل و الشرب و اللبس و الملابس و ان يكون في بيوتهم كل المؤن و التموين
و ان يكون في البنوك ارصدة و في جيوبهم فلوس و أن يتزوجوا و ينجبوا و يعلمون اولادهم في ارقي المدارس و الجامعات
و رغم انهم كانوا يعشقون عبد الناصر لك لن يضحوا من اجله او من اجل غيره
و اذا لم تعمل الحكومة اي حكومة من اجل الناس اولا فلا فائدة من اي عمل او انجاز الفرد اولا هكذا هم المصريين اما الدولة و المجتمع لهم رب يحميهم
و تجهز الجلسات الخاصة داخل الصالونات و القاعات و البيوت و المنازل
حتي الفجر
و تقريبا كانت مصر كلها تتعاطي هذا المخدر اللذيذ الذي كانت الحكومة تمنعه في العلن و تتعاطه سرا
ربما اكون شاهد عيان
وًكانت ام كلثوم سيدة جبارة تواصل ٣ وصلات متصلة يفصلها استراحة قصيرة يعقبها فستان جديد و البروش الالماظ المشهور التي تبرعت به لصالح المجهود الحربي بعد هزيمة ٦٧
و في كل وصلة تحية جديدة و انتعاش الحاضرين
الاولي كلمات احمد رامي و الحان رياض السنباطي و الثانية كلمات حسين السيد و الحان محمد عبد الوهاب و الثالثة كلمات عبد الوهاب محمد و الحان بليغ حمدي الشاب الصغير الذي فتح له الابواب الفنان النادر محمد فوزي الذي رشحه الست و قدم لها هدية خالدة ان بليغ حمدي هو بيتهوفن الشرق فعلا و احدث انقلابًا بل ثورة موسيقية تستمر اجيالا عديدة
و غير لام كلثوم دمها و حركتها و جدد و انجز
لابد من الكتابة عن بليغ في موضع اخر
ان بليغ حمدي بالحانه العجيبة و موسيقاه الحديثه استطاع ان يجعل راقصات مصر بل سيدات مصر يرقصن علي انغامه الطازجة الشجية
و كانت المعركة حامية الوطيس بين سيدة الغناء العربي و بين العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ حرب مكتومة صامتة بين فلاحة مصرية ناضجة و بين فلاح مصري ناصح
و النتيجة لصالح المستمع في مصر و غيرها
و كان بليغ حمدي هو العنصر بين الفريقين و لان بليغ ليس ملكا لأحد كان يقدم عبقريته للجميع و احيانا بدون ثمن
كان هذا هو عصر الغناء المصري و لايزال
و اليوم لم يعد هناك غناء و لا طرب و لا مطربين او مطربات
بعض الرجال الباهتين و المؤثرات الصوتية الحديثة يطنطن عليها عمرو و تامر و صياح من بعض المراهقين
و مطربات مصر كلهم يعانون من الوحدة و طلاق و زواج و احيانا مشاكل و قضايا و مخدرات و غيرها ان مصر الفن تعاني
و لكن غدا يوما ج
ديدا.